المغرب الذي نريد

مدونة مفتوحة للنقاش الهادئ والأفكار المثمرة من أجل غد أفضل

Monthly Archives: مارس 2016

كلمتي بمناسبة تكريم المرحوم الأستاذ محمد العربي المساري

 

 

الرباط في 6 يوليوز 2012

 

الحمد لله وحده

أيها السيدات والسادة

يسرني ويشرفني أن أتقدم بكلمتي هاته، باسمي الشخصي ونيابة عن أعضاء الجمعية المغربية للبحث التاريخي، التي تعتبر الأستاذ محمد العربي المساري عضوا نشيطا من أعضائها البارزين، وذلك من أجل التعبير عن مشاعر الفرحة التي تخالجنا بمناسبة هذا الحفل التكريمي الذي يقام تقديرا له، على جهوده الكبيرة، والمتواصلة ، وتاريخه المشرف الذي وسم به صفحات من تاريخ الفكر والإعلام المغربيين في الحقبة الراهنة.

لقد حالت ظروف قاهرة دون حضوري وتشرفي بإلقاء هذه الكلمة، ولذلك بعثت بها إلى اللجنة المنظمة راجيا منها أن تقرأها في الجلسة المخصصة لإلقاء كلمتي، مع وافر الشكر على إتاحة هذه الفرصة للمشاركة في هذا الحفل الذي يتشرف الجميع بحضوره والمساهمة فيه.

إن الحديث عن الأستاذ محمد العربي المساري، ليس بالشيء الهين، والإحاطة بكل جوانب شخصيته، وبمجالات اهتمامه، ومساره ومشاركته في حقول معرفية متعددة، وفي مهام ووظائف متنوعة، لا تتسع له هذه الكلمة القصيرة، ولا تسعف فيه العبارات والجمل مهما وظفنا فيها من إبداع وبراعة، لأننا مهما حاولنا سنظل مقصرين ، لذلك أعتذر إذا ما لم تتسع كلمتي هذه لكل ما يجب أن يقال، ويكفيني فخرا أنني شاركت في تكريم زميل عزيز ، وشخصية نادرة المثال، في العلم والأخلاق والتواصل والتواضع.

لابد في البداية من توجيه الشكر العميم، إلى اللجنة المنظمة لهذا الموسم الثقافي الأصيل، على حسن اختيارها، والتفاتتها الطيبة، لتكريم علم من أعلام الثقافة والصحافة والسياسة والدبلوماسية والأدب. ومدرسة تركت بصماتها واضحة عبر عقود من الزمن المغربي المعاصر ، وتكونت على يديه أجيال من الشباب وخاصة في عالم الصحافة.

تعرفت على الأستاذ محمد العربي المساري في عالم الصحافة، وفي الجريدة التي ظل وفيا لها وهي جريدة العلم الغراء، التي كانت مرجعا أساسيا لتلقي الأخبار والتعاليق والتحاليل السياسية، ومصدرا لا غنى عنه للتكوين الذاتي بما تنشره من مقالات في شتى المجالات الثقافية، من أبحاث وإبداع . وكان أستاذنا المساري دائما متميزا في كتابته الصحفية، بنفس الإيقاع والمتعة والسلاسة والتحليل الذي يميز كتاباته، والذي ظل سمة بارزة من سمات الكتابة المسارية.

لا تشعر عند قراءة كتابات المساري بعناء متابعة الأفكار، ولا تجد صعوبة في تتبعها، وكأن المساري شاعر مثل جرير يغرف من بحر، مع قدرة على تبسيط الأفكار المعقدة وتحليلها، وتقريبها من الأفهام، وتسويغها إن صح التعبير، مضافا إلى ذلك الملاحظات الدقيقة، التي تنفذ إلى عمق الأشياء، وإلى ما يمر عليه الآخرون ولا يلتفتون إليه. إن أفضل ما يمكن أن يوصف به الأستاذ المساري هو صاحب القلم الأنيق. والأناقة صفة تلازم الأستاذ المساري في حديثه وعلاقاته ومظهره، وسجاياه المحمودة التي يأتي التواضع في مقدمتها. الكتابة الأنيقة، السهلة الممتنعة، والأسلوب المباشر المبسط، والخلو من الإثقال والإطناب والتكرار، تلك بعض صفات الكاتب المساري التي عرفناها وخبرناها خلال العقود التي تعلمنا منه فيها الشيء الكثير.

هناك جوانب عديدة من شخصية المحتفى به، لا شك سيتناولها الإخوة المشاركون في هذا الحفل ، ولكنني سأكتفي بالحديث عن المساري ذي الحس التاريخي، والباحث والمدقق، والمتابع والمشارك في العلوم الإنسانية ومن بينها حقل التاريخ.

أذكر أن أول لقاء مباشر لي مع زميلنا المساري كان بمناسبة إهدائي له كتابا عن العلاقات المغربية الأوربية، وهو كتاب ضخم من حيث عدد الصفحات، ولم تمض إلا أيام حتى التقيت به فوجدته قد اطلع بشغف على العديد من محتويات الكتاب، ودخل معي في نقاش سجله على صفحات بعض مقالاته حول تاريخ العلاقات المغربية البرازيلية، اعتمادا على ما جاء في بعض الوثائق المثبتة في الكتاب، وعندما أهديته نسخة من كتاب مترجم عن السلطان أحمد المنصور، وجدت فيه ذلك القارئ النهم المتتبع ، والحريص على الإستفادة مما يقرأ والتثبت منه، وكتب إلي يسألني عن بعض المصطلحات المترجمة ، وأصلها ومرادفاتها.

فهو لا يكتفي بالقراءة السطحية للكتب، ولكنه يسعى دائما إلى التعمق في الأفكار، واستيعابها، ولا يستنكف أن يسأل ويلح في السؤال ويناقش ما قرأه من أجل أن تتضح الأفكار عنده ، أو عند مؤلفي الكتب.

علاقة المساري بالتاريخ، لا تقف عند هذا الحد، فتناوله للعديد من المواضيع، ولو أنه عمل صحافي، فإنه يتميز بسمات البحث التاريخي، بحيث يعتمد فيها على جمع المادة وتنظيمها واختيار المناسب منها للموضوع، ويعرضها في تسلسل زمني وموضوعاتي، وبأسلوب محبب ميسر، يوحي بأن الكاتب لا يجد صعوبة في التعبير والإحاطة بمواضيع كتاباته. ولن تسعفني الذاكرة هنا للحديث عن كل كتاباته ذات النفحة التاريخية، وأكتفي بالإشارة إلى كتابه عن المسيرة الخضراء، 30 سنة مسيرة، والمغرب بالجمع، والمغرب ومحيطه، ورياح الشمال.. كارت بوسطالات من زمن قريب، ومحمد الخامس من سلطان إلى ملك، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إل الوطن وغيرها.

إنها تتضمن أكثر من النفحات التاريخية، فهي مساهمات في التعريف بجوانب من تاريخنا المعاصر، وشهادات من صحافي خبير، وقراءة خاصة لهذا التاريخ من زوايا ومقاربات لا يفطن الكثيرون لأهميتها، فكأنما يأخذ المادة الخام المتوفرة عند العديدين، ويجلو عنها الصدأ ، ويبرز منها ما كان مختفيا، ويعطي لها تألقا خاصا.

في معرض حديثه معي، قال لي مرة، أنا لست عضوا في الجمعية المغربية للبحث التاريخي، فقلت له على البديهة، بل أنت عضو فاعل ونشيط في جمعيتنا، ويحق لها أن تفخر بانضمامك إليها، ولو لم تكن أنت عضو فيها فمن يكون؟ إن الجمعية المغربية للبحث التاريخي، يشرفها أن تكون عضوا فيها، وعضوا فخريا شرفيا، وأعلن هنا باسم كافة أعضاء الجمعية أنك عضو كامل العضوية، وأننا نتشرف بذلك، ونرجو أن تقبل الانتماء إلى الجمعية التي شاركت دائما في أنشطتها وواظبت على حضور جلساتها العلمية.

لا يسعني في الأخير إلا أن أشد على يد أعضاء اللجنة المنظمة على هذا التكريم الذي يرسخ ثقافة الاعتراف بالجميل ، والشكر لمن أبلوا البلاء الحسن في ميادينهم ومجالات اهتمامهم، وأتمنى من الله عز وجل أن يطيل عمر أخينا وصديقنا الأستاذ الفذ السي محمد العربي المساري، ويوفقه للمزيد من العطاء والتألق، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

عثمان المنصوري

الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث التاريخي

 

الإعلان